مايضُاف جديداً على موقع العلامة / ربيع بن هادي عمير المدخلي - حفظه الله -

قال الشاطبي الإمامـ - رحمه الله - ( كل من ابتدع في دين الله فهو ذليل حقير بسبب بدعته ، و إن ظهر لبادئ الأمر في عزّه و جبروته ، فهم في أنفسهم أذلاء ، ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين ، و فيما بعد ذلك ؟! حتى تلبسوا بالسلاطين و لاذوا بأهل الأرض ، و من لم يقدر على ذلك استخفى ببدعته ، و هرب بها عن مخالطة الجمهور ) , [ الاعتصام ، للشاطبي : 1/126 ].

الخميس، 25 أكتوبر 2012

تذكير الأثريين بعدم التلازم بين التبديع وبين إطلاق لقب الأشعري والمرجئ ونحوهما على المتأولين

بسم الله الرّحمن الرّحيم
تذكير الأثريّين
بعدم التّلازم بين التّبديع وبين إطلاق لقب الأشعريّ أو المرجئ ونحوهما
على المتأوّلين
إنّ الحمدَ لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره. ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا، ومن سيّئاتِ أعمالنا. مَن يهدِهِ اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له. وأشهدُ أن لا إله إلّا الله-وحده لا شريكَ له-، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبده ورسوله .
أمّا بعد
:
فلقد راسلني أحد الأحبّة-من الكويت-؛ فسألني عن قول شيخنا الرّبيع-حفظه الله-كما في "مجموع الكتب والرّسائل: 15/220": ((يسألك: هل ابنُ حجرٍ مبتدع؟!؛ تقول: ما أستطيع أقول: (مبتدع!)؛ أقول: (أشعريّ)، (عنده أشعريّة)...)).اهـ؛ فقال السّائل: ((...حينما أقول: (أشعريّ)؛ معناه: أنّه مبتدع!؛ ...أليس كذلك؟!)).

فقلت له-ما فحواه-: إنّ تلقيبه بـ(الأشعريّ)إخبارٌ عن مقالته؛ لا حكمًا على عينه؛ وفي مثل هذه الألقاب تفصيلٌ؛ فقول أهل العلم عن شخصٍ: (رافضيٌّ)-مثلًا-؛ فهذا خبرٌ عن المقالة، وحكمٌ على القائل؛ لأنّ الرّفض والسّبّ لا يكون إلّا بهوى؛ بخلاف قولهم: (شيعيّ)؛ فهو خبرٌ عن المقالة؛ ولا يلزم منه التّبديع والحكم على المعيّن؛ لإمكانيّة صدور ذلك عن تأوّلٍ؛ لا لهوًى..

فلمّا زرتُ الكويتَ-قبل نحو أسبوعين-، والتقيتُ هناك ببعض الإخوة من طلبة العلم السّلفيّين؛ أعاد السّائلُ مسألته؛ ففصّلتُ الجواب أكثر؛ مبيّنًا أنّ الحكم على القول لا يلزم منه الحكم على القائل، وأنّه ليس كلُّ مَن وقع في البدعة وقعت البدعة عليه.

فاتّفقت كلمة الإخوة في المجلس على هذا، واستشكل بعضهم تلقيب المتأوِّل بـ(الأشعريّ) ونحوه، ورأوا الاكتفاء في المتأوّل-كابنِ حجرٍ-بقولنا: (عنده أشعريّة)، أو نحوها.

فبيّنتُ لهم-هناك-ما أزيده إيضاحًا هنا؛ فأقول:

قال ابنُ حزمٍ-عفا اللهُ عنّا وعنه-في "مراتب الإجماع: 15": ((...ولسنا نُخرجُ من جُملة العُلماء من ثبتت عدالته وبحثه عن حُدود الفُتيا؛ وإنْ كان مُخالفًا لنحلتنا؛ بل نعتدُّ بخلافه كسائر العُلمـاء؛ كعمرو بن عُبيد، ومحمّد ابن إسحق، وقتادة بن دعامة السّدوسيّ، وشبابة بن سـوّار، والحسن بن حيّ، وجابر بن زيد، ونظرائهم؛ و إنْ كان فيهم: القدريُّ، والشّيعيّ، والإباضيُّ، والمُرجيء؛ لأنّهم كانوا أهلَ علمٍ وفضلٍ وخيرٍ واجتهادٍ-رحمهم الله-.

وغلطُ هؤلاء بما خالفونا فيه كغلط سائر العُلماء في التّحريم والتّحليل ولا فرق)).اهـ

ولم ينتقد شيخ الإسلام-رحمه اللهُ-هذا الكلامَ بشيءٍ في "نقد مراتب الإجماع"، ونحنُ ننتقده في حشـره بعـض أهلِ البـدع وأئمتّهم والدّعاة الرّؤوس فيهم ؛ كعمرو بن عبيدٍ، والحسن بن صالحٍ مَعَ مَنْ ذكر.

وننتقده في حشره أسماء مَن لم تثبت عليهم البدع المنسوبة إليهم؛ كجابرٍ، وقتادة-عند من يبرِّئه من القدر-.

وننتقده في حشره أسماء من نُقلت توبته من البدعة؛ كشبابة.

والّذي نستشهد به-هنا-: هو تسمية المتأوِّل-عنده-الواقعُ في بدعةٍ-بظنّه-: قدريًّا، شيعيًّا، إباضيًّا، مُرجيًّا؛ ويعذرهم-مع ذلك-بالتّأوّل.

واسمع إلى ابن قُتيبة-أجزلَ الله ثوابه-وهو يقـولُ في "تأويـل مختـلف الحديث: 94" مُدافعًا عن السّنّة وعن بعض أهل السّنّة؛ كقتادة، والحسن-رحمهما الله-: ((فإن ادّعوا [أي: المعتزلة القدريّة] أنّ الّـذين درجوا من الصّحابة والتّابعين لم يكونوا على ما كان عليه هؤلاء، و أنّهم يقولون بمثل مقالتـهم في القـدر؛ قلنـا لهم: فَلِمَ تعلّقتم بالحسـن، وعمرو بن عبيد، وغيلان؟!.

ألا تعلّقتُم بعليٍّ، وابن مسعودٍ، وأبي عبيدة، ومعاذ، وسعيد بن المسيِّب، وأشباه هؤلاء؛ فإنّهم كانوا أعظم في القـدوة، وأثبت في الحجّة من قتادة، والحسن، وابن أبي عُروبة .

وأمّا قولهم [أي: القدريّة في أهل الحديث]: إنّهم يكتبون الحديث عن رجالٍ من مخالفيهم ؛ كقتادة ، وابن أبي نُجيحٍ ، وابن أبي ذئبٍ؛ [في حين]يمتنعون عن الكتابة عن مثلهم؛ مثل: عمرو بن عُبيد، وعمرو بن فائد، ومعبدٍ الجُهنيّ؛ فإنّ هؤلاء الّذين كتبوا عنهم أهلُ علمٍ، وأهـل صدقٍ في الرّواية؛ ومن كان بهذه المنـزلة فلا بأسَ بالكتابة عنه، والعمل بروايته؛ إلّا فيما اعتقده من الهوى؛ فإنّه لا يُكتب عنه، ولا يعمل به .

كما أنّ الثّقة العدل تُقبل شهادته على غيره، ولا تُقبل شهادته لنفسه، ولا لابنه، ولا لأبيه، ولا فيما جرّ إليه نفعًا، أو دفع عنه ضررًا.

وإنّما مُنع من قَبولِ قـولِ الصّادقِ فيما وافـق نحلته و شاكـل هواه؛ لأنّ نفسـه تُريه أنّ الحقّ فـيما اعتقده، وأنّ القـرب إلى الله-عزّ وجلّ-في تثبيته بكلّ وجه، ولا يُؤْمَنُ-مع ذلك-التّحريف، والزّيادة، والنّقصان .

فإن قـالوا: فإنّ أهـل المقالات المختلفة يرى كُلُّ فريقٍ منهم أنّ الحقّ فيما اعتقده، وأنّ مخالفه على ضلالٍ وهوًى، وكذلك أصحاب الحديث فيما انتحلوا؛ فمن أين علموا علمًا يقينًا أنّهم على حقٍّ؟.

قيلَ لهم: إنّ أهلَ المقالات-وإنْ اختلفوا، ورأى كُلُّ صنفٍ منهم أنّ الحقّ فيما دعا إليه-فإنّهم مُجمعون لا يختلفـون أنّ من اعتصم بكتـاب الله-عزّ وجلّ-، وتمسّك بسنّة رسول الله-صلّى الله عليه وعلى آله وسـلّم-؛ فقد استضاء بالنّور، واستفتح باب الرّشد، وطلب الحقّ من مظانّه .

وليس يدفع أصـحاب الحديث عن ذلك إلا ظالمٌ ؛ لأنّهم لا يردّون شيئًا من أمر الدّين إلى الاستحسان، و لا إلى قياسٍ أو نظر، ولا إلى كتب الفلاسفة المتقدّمين، ولا إلى أصحاب الكـلام المتأخّرين...)).اهـ؛ وهو كلامٌ نفيسٌ غاية.

ومراده: نفي القياس والنّظر والاستحسان الباطل؛ لا ما كان منه صوابًا.

وذِكْرُهُ الحسن؛ فهو تنزّلٌ في المناظرة-فيما يبدو-؛ لأنّ أبا داود-رحمه الله-يقول في "سننه": ((حدّثنا سليمان ابن حرب؛ قال: حدّثنا حمّاد؛ قال: سمعت أيّوب يقول: كَذَبَ على الحسن ضَرْبَان من النّاس؛ قومٌ القدر رأيهم وهم يريدون أن ينفّقوا بذلك رأيهم، وقومٌ له في قلوبهم شنآنٌ وبُغضٌ؛ يقولون: أليس من قوله كذا؟، أليس من قوله كذا؟)).

فهذه براءة الحسن-رحمه الله-من القدر.

وقتادة-رحمه الله-؛ نسبته إلى القدر إن كانت إلى نفيه فمنفيّةٌ عند من يعرف مقالاته في إثبات القدر، وإن كانت إلى إثباته والغلوّ فيه؛ فوجهها ما قاله الطّبريّ-رحمه الله-: ((حدّثنا ابن عبد الأعلى؛ قال: ثنا ابن ثورٍ؛ عن معمر؛ عن قتادة: ((الجبّار))؛ قال: جَبَرَ خلقه على ما يشاء))!!!؛ والإسناد صحيحٌ: محمّد بن عبد الأعلى، وشيخه محمّد بن ثورٍ الصّنعانيّان ثقتان؛ لولا أنّ في رواية معمر عن قتادة ما في روايته عن البصريّين.

وابنُ أبي ذئبٍ-رحمه الله-لم يكُن قدريًّا؛ بل قال المزّيّ-رحمه الله-في "تهذيب الكمال: 25/636-637": ((قال أحمد بن عليٍّ الأبّار: سألت مصعبًا الزُّبيريّ عن ابن أبي ذئبٍ؛ وقلت له: حدَّثونا عن أبي عاصمٍ أنّه قال: كان ابنُ أبي ذئبٍ قدريًّا؛ فقال: مَعَاذ الله!؛ إنّما كان في زمن المهديّ قد أخذوا أهل القدر وضربوهم ونَفَوهم؛ فجاء قومٌ من أهل القدر؛ فجلسوا إليه، واعتصموا به من الضّرب؛ فقال قومٌ: إنّما جلسوا إليه لأنّه يرى القدر؛ لقد حدّثني من أثق به أنّه ما تكلّم فيه قطّ.

وقال الواقديّ: كان من أورع النّاس وأفضله، وكانوا يرمونه بالقدر!؛ وما كان قدريًّا!؛ لقد كان ينفي قولهم ويعيبه؛ ولكنّه كان رجلًا كريمًا يجلس إليه كلّ أحدٍ ويغشاه؛ فلا يطرده، ولا يقول له شيئًا، وإن هو مَرِضَ عاده؛ وكانوا يتّهمونه بالقدر لهذا وشِبهه)).اهـ

فابنُ أبي ذئبٍ-رحمه الله-لم يكن قدريًّا..

والمُرادُ أنّ ابنَ قتيبة-رحمه الله-ظنّهم كذلك؛ ولكن: متأوّلين..

وأمّا حُكم الرّواية عن أهل البدع؛ فلقد اختلف العلماء في ذلك اختلافًا كبيرًا؛ فذهب ناسٌ من أهل العلم إلى المنعِ من ذلك بإطلاقٍ؛ كالإمام مسلمٍ-رحمه الله-في مقدّمة "صحيحه"؛ وهذا غلطٌ لا دليل عليه، وذهب ناسٌ إلى تجويز ذلك بإطلاق؛ كالصّنعانيّ-سامحه الله-؛ وقوله غلطٌ-أيضًا-وتساهلٌ فاحشٌ، وذهب الجمهور إلى التّفصيل؛ فأجازوا الرّواية عن أهل البدع بشروطٍ، وفصّلوا الكلام في المسألة، ولم يُطلقوا كما أطلق الفريقان الأوليان!.

ونَقْلُ كلامهم وعباراتهم-هنا-يُطيلُ المقام؛ فأضرب عن ذلك صفحًا؛ لأقول:

-مَن وقع في بدعةٍ مُكفّرةٍ فكفر بذلك؛ فهذا لا تحلُّ الرّواية عنه.
-وأمّا مَن لم يكفر ببدعته؛ فإن كان يستحلُّ الكذب فلا تُقبل روايته-أيضًا-؛ قال الشّافعيُّ-رحمه الله-: ((أقبل شهادة أهل الأهواء إلّا الخطّابيّة؛ لأنّهم يرون الشّهادة بالزّور لموافقيهم))، وقال-أيضًا-: ((ما رأيت في أهل الأهواء قومًا أشهد بالزّور من الرّافضة)).
-وإذا كان داعيةً إلى بدعته لم تُقبل روايته؛ هُجرانًا له؛ فلقد ذكر شيخ الإسلام-رحمه الله -في "المسوّدة" عدم قبول رواية المبتدع الدّاعي إلى بدعته هجرانًا له؛ ((لأنّه لا يستحقّ أن يُشيَّخ في العلم)).
-ومَن روى ما يُقـوِّي بدعته؛ فإن كان صـدوقًا في نفسه؛ فروايـته مقبولةٌ-إن شـاء الله-؛ كما قال أحمد شاكر-رحمه الله-في "الباعث الحثيث"، وفي "شرح ألفيّة السَّيوطيّ في الحديث"-وقال غيرُه بمثل قوله-: ((العبرةُ في الرّواية بصدق الرّاوي وأمانته والثّقة بدينه وخلقه، والمتتبّع لأحوال الرّواة يرى كثيرًا من أهل البدع موضعًا للثّقة والاطمئنان وإن رووا ما يوافق رأيهم، ويرى كثيرًا منهم لا يُوثق بأيّ شيءٍ يرويه)). انتهى كلامه-رحمه الله-.
-ولكنّي أقول: لا ينبغي أن يروي السّنّيّ عن المبتدع-وإن كان صدوقًا-؛ إلّا إذا لم يجد حديثه عند غيره؛ وقد نبّه على هذا المعلّميّ-رحمه الله-في "التّنكيل".
والّذي أريدُه من نقلي عن ابن قتيبة-رحمه الله-: تقسيمه النّاس إلى ثلاث مراتبٍ:

-العلماء السّنّيّون الخُلَّصُ؛ الّذين سلموا من البدع؛ زيغًا أو تأوّلًا؛ كعليٍّ، وابن مسعودٍ، وأبي عبيدة، ومعاذ، وسعيد بن المسيِّب، وأشباه هؤلاء..
-والعلماء السّنّيّون الّذين وقعوا في بعض البدع فيما يظنّ ابنُ قتيبة-تأوّلًا؛ لا زيغًا-؛ كقتادة، والحسن، وابن أبي عُروبة، وابن أبي نُجيحٍ، وابن أبي ذئبٍ، وأمثالهم-رحمهم الله-.
-وأهل البدع والزّيغ والهوى الّذين وقعوا في البدع عنادًا وزيغًا؛ كعمرو بن عبيد، وغيلان، وعمرو بن فائد، ومعبدٍ الجُهنيّ، وأمثالهم..
والشّاهد: أنّ ابن قتيبة-رحمه الله-يوافق المعتزلة على تسمية المتأوّلين: من(أهل النّحل المخالفين لأهل الحديث)؛ مع كونه يراهم: (أهلَ علمٍ، وأهـلَ صدقٍ في الرّواية)؛ فاجتمع تلقيبُه إيّاهم بالمخالفة مع إقراره بفضلهم وعلمهم وتأوّلهم.

وقال إمامنا الألبانيّ-رحمه الله-في شريط "البدعة والمبتدعون": ((مثل النّووي، وابن حجرٍ العسقلانيّ، وأمثالهم؛ من الظّلم أن يُقال عنهم: إنّهم من أهل البدع!.

أنا أعرف أنهما من(الأشاعرة)؛ لكنّهما ما قصدوا مخالفة الكتاب والسّنَّة؛ وإنّما وهِموا، وظنُّوا أنّما ورثوه من العقيدة الأشعريّة؛ ظنّوا شيئين اثنين :

أوّلًا: أنّ الإمام الأشعريّ يقول ذلك؛ وهو لا يقول ذلك إلّا قديمًا؛ لأنّه رجع عنه .

وثانيًا: توهّموه صوابًا؛ وليس بصواب)).اهـ

وقال(الحافظُ الشّابُّ)=محمّد بن عبد الهادي=تلميذُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميّةَ النّجيبُ-رحمهما الله-في(منجنيق الغرب)-كما يسمّيه ابنُ القيّم في "الهدي"=ابنِ حزمٍ-عفا الله عنّا وعنه--في "طبقات علماء الحديث: 3/350": ((تبيَّن لي منه أنّه جهميٌّ جلد؛ لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلّا القليل؛ كالخالق، والحقّ, وسائرُ الأسماء-عنده-لا يدلّ على معنًى أصلًا؛ كالرّحيم, والعليم, والقدير, ونحوها؛ بل العلم-عنده-هو القدرة, والقدرة هي العلم, وهما عين الذّات, ولا يدلّ العلم على شيءٍ زائدٍ على الذّات المجرّدة-أصلًا-؛ وهذا عين السّفسطة والمُكابرة؛ وقد كان ابن حزمٍ قد اشتغل في المنطق والفلسفة, وأمعن في ذلك؛ فتقرّر في ذهنه-لهذا السّبب-معاني باطلة)).اهـ

ونقل كلامَه-مُستشهدًا به-إمامُنا الألبانيّ-رحمه الله-في "السّلسلة الصّحيحة: 1/187"، وفي أكثر من موضعٍ من كتبه ومجالسه ؛ كـ"تعليقه على الآياتِ البيّنات: 64"؛ حيث قال: ((اسمه عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزمٍ الأندلسيّ القرطبيّ: من كبار حفّاظ الحـديث، وأئمّة الظّاهـرية؛ ولكنّه-في الأسماء والصّفات-جهميٌّ جلدٌ، وله أوهامٌ كثيرةٌ في الرّواة وتجهيلهم)).اهـ

وقال عبد الأوّل ابن الشّيخ حمّادٍ الأنصاريّ-رحمه الله-في "ترجمة والده: 2/744": ((سمعت الوالد يقول: ابنُ حزمٍ قلَّ أحدٌ من الأشاعرة يوازيه في العلم والفقه, وهو مع ذلك جهميٌّ جلد)).اهـ

ومع كلّ هذا يقولُ إمامُنا الألبانيّ-رحمه اللهُ-في(الشّريط السّادس من فتاوى جدّة)عن ابن حزمٍ: ((جهميٌّ جلـدٌ؛ ومع ذلك فقد أخطأ؛ وله أجرٌ واحد))؛ فهو يراه متأوّلًا-كما ترى-، ويسمّيه-مع ذلك-بما ترى.

والشّاهد: أنّ شيخنا-رحمه الله-يرى ابنَ حزمٍ-غفر الله لنا وله-متأوِّلًا معذورًا؛ ومع ذلك يلقّبه بـ(الجهميّ)؛ بل بـ(الجهميّ الجلد).

وإن كنّا لا نوافقُ شيخنا-رحمه الله-حين سمّى تأوّل ابن حزمٍ في هذه المسائل الظّاهرة الجليّة: (اجتهادًا!)، وحين رجا له الأجر على(اجتهاده!)المزعوم!؛ لأنّ فرقًا بين الاجتهاد الّذي يؤجر عليه صاحبه، وبين التّأوّل الّذي يكون سببًا في معذرته-فقط-.

بل إنّ من التّأوّل ما يكون مانعًا من التّكفير دون التّبديع.

قال شيخُ الإسلام-رحمه الله-في"مجموع الفتاوى: 20/31-32" في بيان الفرق بين الاجتهاد الّذي يؤجر عليه صاحبه وبين ما يمنع العقاب وإن كان صاحبه لا يُثاب: ((وكذلك الأدلّة العامّة يحكم المجتهد بعمومه وما يخصّه و[كذا!؛ والجادّة حذف الواو فيما أرى]لم يبلغه، أو بنصٍّ وقد نُسخ ولم يبلغه، أو يقول بقياسٍ ظهر و[كذا!؛ والجادّة حذف الواو فيما أرى]فيه التّسوية وتكون تلك الصّورة امتازت بفرقٍ مؤثّرٍ وتعذّرت عليه معرفته؛ فإنّ تأثير الفرق قد يكون بنصٍّ لم يبلغه، وقد يكون وصفًا خفيًّا؛ ففي الجملة: الأجر هو على اتّباعه الحقّ بحسب اجتهاده؛ ولو كان في الباطن حقٌّ يناقضه هو أولى بالاتّباع لو قدر على معرفته؛ لكن لم يقدر؛ فهذا كالمجتهدين في جهات الكعبة...أُثيب على ذلك؛...بخلاف ما لم يُشرع جنسه مثل الشّرك؛ فإنّ هذا لا ثواب فيه؛ وإن كان الله لا يعاقب صاحبه إلّا بعد بلوغ الرّسالة؛ كما قال-تعالى-: ((وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولًا)).

لكنّه وإن كان لا يعذَّب فإنّ هذا لا يُثاب؛ بل هذا كما قال-تعالى-: ((وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءًا منـثورًا))... وهذا لا يكـون مجتهدًا؛ لأنّ المجتهد لا بُـدّ أن يتّـبع دليلًا شـرعيًّا؛ وهذه لا يكـون عليـها دليلٌ شرعيّ...)).اهـ المراد نقله.

والمُرادُ بيانه: جوازُ تسميةِ الرّجل مرجئًا، أو أشعريًّا، أو شيعيًّا..إلخ-ولو كان متأوّلًا-إخبارًا عن مقالته؛ لا حكمًا عينيًّا، ولا تبديعًا له.

وقال الشّيخُ عبدُ الرّزّاق عفيفيّ-رحمه الله-في "فتاواه: 347": ((مذهب السّلف هو التّفويض في كيفيّة الصّفات؛ لا في المعنى، وقد غلط ابن قدامة في "لُمعة الاعتقاد" وقال بالتّفويض؛ ولكنّ الحنابلة يتعصّبون للحنابلة؛ ولذلك يتعصّب بعض المشايخ في الدّفاع عن ابن قُدامة، ولكنّ الصّحيح أنّ ابن قُدامة مفوّض)).

فانظر كيف سمّاه مفوِّضًا؛ مع اعتذاره له بالغلط..

وقال الذّهبيّ-رحمه الله-في "السّير:9/563": ((عبد الرّزّاق بن همّام بن نافع، الحافظ الكبير، عالم اليمن، أبو بكر الحميريّ الصنعانيّ الثّقة الشّيعيّ)).

فهو يصفه بالعالم..إلخ؛ فيراه متأوّلًا؛ ومع ذلك يلقّبه بـ(الشّيعيّ)؛ حكايةً لمقالته؛ لا تبديعًا له!.

وأخيرًا: فهذه أمثـلةٌ-والاستقراءُ غيرُ مُـرادٍ-تُبيّنُ كيف يُسمّي أهل العلم-في القديم والحـديث-مَن وقع في بدعةٍ متأوّلًا باسم بدعته؛ حكايةً للواقع؛ لا تبديعًا للمتأوِّل..

ومعلومٌ أنّ القول بأنّ اسم الفاعل من الشّيء لا يُشـتُّقّ إلّا وذلك الشّيء قائمٌ بالفاعلِ هو قولُ الأشعريّةِ؛ كما قال ابن الوزير اليمانيّ-غفر الله لنا وله-في "العواصم والقواصم: 2/12".
والله-تعالى أعلم-.
والحمدُ للهِ ربّ العالمين.
وكتب:
أبو عبد الرّحمن الأثريّ
معاذ بن يوسف الشّمّريّ-عفا الله عنه-
في: إربد؛ 20-ذي القعدة-1433هـ.
                 وجرى تبييضه في: مكّة؛ 3-ذي الحجّة-1433هـ.
هل أعجبك الموضوع ...؟

اشترك معنا و تابع جديد المدونة :)

كن من متابعينا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاكـمـ الله خيراً
أخوكمـ (أبوأويس أحمد بن جمال )

Best Blogger Gadgets