مايضُاف جديداً على موقع العلامة / ربيع بن هادي عمير المدخلي - حفظه الله -

قال الشاطبي الإمامـ - رحمه الله - ( كل من ابتدع في دين الله فهو ذليل حقير بسبب بدعته ، و إن ظهر لبادئ الأمر في عزّه و جبروته ، فهم في أنفسهم أذلاء ، ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين ، و فيما بعد ذلك ؟! حتى تلبسوا بالسلاطين و لاذوا بأهل الأرض ، و من لم يقدر على ذلك استخفى ببدعته ، و هرب بها عن مخالطة الجمهور ) , [ الاعتصام ، للشاطبي : 1/126 ].

الاثنين، 12 نوفمبر 2012

الفرق بين الاسم المطلق ومطلق الاسم..




                         فضيلة الشيخ / أبى عبد المعزّ محمد على فركوس - حفظه الله - 

السـؤال: لقد أشكلَ علينا فَهْمُ كلامٍ لشيخ الإسلام في «العقيدة الواسطية» عند قوله: «وَنَقُولُ هو مؤمنٌ ناقصُ الإيمانِ، أو مُؤمنٌ بإيمانه فاسقٌ بكبيرته، فلا يُعطى الاسم المطلق، ولا يُسْلَبُ مطلق الاسم». فما معنى قوله: «فلا يُعطى الاسم المطلق، ولا يُسلب مطلق الاسم»؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فعبارةُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- متعلِّقة بالفاسق المِلِّي، ومرادُه أنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ لا يُكفِّرون بمطلق المعاصي والكبائر، ويُفرِّقون بين مُطلق الشيء بمعنى أصل الشيء وبين الشيء المطلق الذي يعني الكمال، فهم لا يُسلِبونَ الفاسقَ المِلِّيَّ الإسلامَ بالكُلِّيَّةِ، أي: لا يُنْفُونَ عنه الإسلام، فلا يقال له: ليس بمؤمن؛ لأنَّ الله تعالى أثبت الأُخوَّةَ الإيمانية لهم مع وجود المعاصي، فقد جعل اللهُ المقتولَ أخًا للقاتل فاعلِ الكبيرةِ كما في آية القصاص من قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ[البقرة: ١٧٨]، كما جعل اللهُ تعالى الطائفةَ المصلحة إخوة للطائِفَتين المقتَتِلَتَيْنِ الأخويتين مع وجود البغي وقتال المؤمن للمؤمن وهي كبيرة ومعصية، قال تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[الحجرات:٩-١٠]، كما لا يُعطى الفاسقُ الاسمَ المطلقَ في الإيمان، وهو الاسمُ الكاملُ الذي لا يدخلُ الفُسَّاقُ وأهلُ المعاصي فيه، وإنما هذا الاسم المطلق خاصٌّ بأهل الإيمان المطلق الذين آمنوا بالله ورسوله، وقاموا بشعائر دينه من القيام بالواجبات، واجتناب المحرَّمات مخلصين له الدِّين وقد وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ[الأنفال: ٢- ٤]، فهؤلاء يستحقُّون الولاءَ المطلق، بينما الفاسق المِلِّي يستحقُّ الولاء من جهة إيمانه، ويستحقُّ البراء من جهة عصيانه حيث يهمل بعض الواجبات ويفعل بعض المحرَّمات التي لا تصل إلى الكفر الأكبر، وقد ثبت أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قَدْ جَلَدَهُ فِى الشَّرَابِ، فَأُتِىَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ»(١).
فالفاسقُ المِلِّي يدخل تحت مُطْلَقِ اسمِ الإيمانِ ولا يدخل في اسمِ الإيمان المطلق؛ لأنَّ أهلَ الإيمان المطلق لا يتركون الواجبات ولا يقترفون المحرَّمات من زنا وسرقة وشرب خمر، ولذلك نفى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّمَ عنهم الإيمانَ الكاملَ بارتكابهم المحرَّماتِ في قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ يَزْنِى الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»(٢).
وعليه، فلا يُعطى الفاسقُ الاسمَ الكاملَ وهو الإيمانُ المطلَقُ لارتكابه للمعاصي، ولا يُسْلَبُ عنه مُطْلَقُ الاسمِ لوجود أصلِ الإيمان، ولهذا يقال له: مُؤمنٌ ناقصُ الإيمانِ، أو مُؤمِنٌ بإيمانه فَاسِقٌ بكبيرته، وهذا بخلاف الخوارج الذين يُكَفِّرونَ بمطلق المعاصي، والمرجئة الذين يعطون الفاسقَ المليَّ الاسمَ الكاملَ، يعني الإيمان المطلق، والمعتزلة الذين يجعلونه في مَنْزلة بين المَنْزلتين، فأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ أهلُ الإنصافِ والعدلِ مَذْهَبٌ وَسَطٌ بين الإفراطِ والتفريطِ وبين الغُلُوِّ والجفاءِ.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٧ جمادى الأولى ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٣ جوان ٢٠٠٦م

(1) أخرجه البخاري في «الحدود»: (٦٧٨٠)، والبيهقي في «سننه»: (١٧٩٥١)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري في «المظالم»: (٢٤٧٥)، ومسلم في «الإيمان»: (٢١١)، وأبو داود في «السنة»: (٤٦٩١)، والترمذي في «الإيمان»: (٢٨٣٤)، والنسائي في «قطع السارق»: (٤٨٨٧)، وابن ماجه في «الفتن»: (٤٠٧١)، وأحمد: (٩١٣٠)، والدارمي: (٢١٥٩)، والبيهقي: (٢١٢٧١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
هل أعجبك الموضوع ...؟

اشترك معنا و تابع جديد المدونة :)

كن من متابعينا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاكـمـ الله خيراً
أخوكمـ (أبوأويس أحمد بن جمال )

Best Blogger Gadgets